تحالفات جديدة- لمواجهة الاحتلال والإبادة في غزة وفلسطين

المؤلف: كمال أوزتورك10.15.2025
تحالفات جديدة- لمواجهة الاحتلال والإبادة في غزة وفلسطين

إنّ الواقع المؤلم الذي يجب الاعتراف به هو أنّ منظمة التعاون الإسلامي، وكذلك الجامعة العربية، وحتى التحالفات الضمنية بين الدول الإسلامية، قد عجزت جميعها عن إيقاف الإبادة الجماعية المروعة التي تحدث في غزة. هذه حقيقة مُرة، لكن يجب علينا استيعابها وتقبّلها مهما كان ذلك مؤلمًا وموجعًا للقلب.

علينا أن نُسلّم بحقيقة قاسية، وهي أنّ بعض الدول الإسلامية لم تساهم بشكل إيجابي في التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، بل على العكس تمامًا، ساهمت في تأزيم الوضع وزيادة تعقيده وإطالة أمده. المؤسف في الأمر أن هناك دولًا إسلامية استهدفت حركة حماس بشكل سافر، وسعت جاهدة لإقصائها ومنعها من أي دور في إدارة الشأن الفلسطيني، بل إنها تمنت زوالها واختفاءها من الساحة الفلسطينية.

والأدهى من ذلك، أنّ هذه الدول كانت أقرب إلى إسرائيل في هذا الصراع الدائر، حيث قدمت لها دعمًا سخيًا في مواجهة الهجمات التي تتعرض لها، وعملت على التخفيف من آثار أي ضرر اقتصادي قد يلحق بها، ورفضت بشكل قاطع جميع المقترحات الداعية إلى فرض حصار أو عزلة عليها.

إنّ هذه الدول قد وقفت في الجانب الخاطئ من التاريخ، ولن تُذكر بالخير في السجلات التاريخية. لم تُظهر هذه الدول ولو قدرًا يسيرًا من ردود الفعل الغاضبة التي أبدتها الدول الغربية تجاه ما يحدث في غزة، ولم ترفع أصواتها للاحتجاج والتنديد بالجرائم المرتكبة، بل على العكس من ذلك، قامت بمنع المظاهرات المؤيدة لفلسطين في بلدانها، وقمعت أي صوت يعلو نصرةً للحق الفلسطيني.

يبدو أنّ هؤلاء لم يدركوا بعد أنّ القضية ليست مجرد قضية فلسطين أو غزة فحسب، بل هي قضية أمن واستقرار المنطقة بأكملها، وأنّ إسرائيل تتحرك بجشع وطيش للسيطرة على المنطقة بأكملها، والتوسع على حساب دول الجوار. لقد اعتدت إسرائيل بالفعل على خمس دول، وعندما يصل عدد هذه الدول إلى عشر، سيكون الوقت قد فات، وسيكون من الصعب للغاية تدارك الموقف.

في ظلّ هذه الظروف العصيبة، لا يمكننا الحديث عن وحدة إسلامية حقيقية، أو عن تحالف إسلامي فاعل، أو عن أي تشكيل يهدف إلى إيجاد حل جذري لمشكلة غزة. شخصيًّا، فقدت الأمل تمامًا في منظمة التعاون الإسلامي منذ زمن بعيد، ولم أعد أعلق عليها أي آمال.

يجب أن نؤسّس بنية تحالف جديد

في ظلّ هذه التحديات الجسيمة، نحن بأمس الحاجة إلى تشكيل تحالفات جديدة وقوية، ليس فقط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بل أيضًا لمواجهة مخططات إعادة تصميم منطقة الشرق الأوسط، أو بالأحرى احتلالها، من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة المتحدة وألمانيا والدول التابعة لها. هناك ضرورة ملحة لتحرك سياسي فعال لمواجهة هذه القوى التي تسعى للهيمنة والسيطرة على المنطقة.

كيف يمكن تحقيق ذلك على أرض الواقع؟ لنتأمل في التجربة الصينية، فالصين فعلت ما لم تستطع أي دولة إسلامية القيام به حتى الآن، إذ تمكنت من الجمع بين 15 فصيلًا فلسطينيًا وجعلتها تتصالح وتتحد. وعلى الجانب الآخر، اتخذت إسبانيا موقفًا شجاعًا لم تتخذه أي دولة أوروبية أخرى، إذ أدانت إسرائيل بأعلى صوت وقدمت دعمًا واضحًا وصريحًا لفلسطين.

أيرلندا أظهرت ضميرًا حيًا وأخلاقًا رفيعة وموقفًا سياسيًا ثابتًا لم يظهره أي سياسي في العالم الإسلامي، وقد أبدت أسفها العميق وألمها الشديد لما يجري في فلسطين من انتهاكات وجرائم. أما النرويج، فقد اعترفت – بشجاعة نادرة – بدولة فلسطين، رغم كل التهديدات والضغوط التي مورست عليها.

أما روسيا، فقد سئمت من السياسات الأميركية التي تستنزف مواردها وتقوض نفوذها، وهي الآن تبحث عن انطلاقة جديدة في منطقة الشرق الأوسط. ويمكننا إضافة دول أخرى من أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا إلى هذا التحالف المنشود.

لكن الأهم من ذلك كله، هو أن تقوم روسيا والصين بإعطاء الضوء الأخضر لتشكيل مثل هذا التحالف القوي والمؤثر، وتقديم الدعم اللازم لإنجاحه.

ما المانع من تحالف إقليمي زمني؟

قد تواجه التحالفات التي سيتم تشكيلها تحديات جمة وعقبات مختلفة، حيث تحمل كل دولة مخاوف وهواجس خاصة بها. ومع ذلك، يمكن أن يكون التحالف الذي سيتم تحديده على أساس زمني وإقليمي مفيدًا في تخفيف هذه المخاطر والمخاوف، والحد من تأثيرها السلبي.

فلنتخيل معًا أن دولًا مثل تركيا وإيران وباكستان وماليزيا وإندونيسيا، التي تتمتع بقدرات هائلة في مجالات عديدة مثل عدد السكان والقوة العسكرية والاقتصاد المزدهر، تتحد معًا وتتعاون فيما بينها، ثم نضيف إليها دولًا مثل قطر التي تمتلك قدرات دبلوماسية فائقة وقوة اقتصادية لا يستهان بها، وأيضًا دولًا مثل اليمن والصومال والسودان التي تتمتع بمواقع جيوسياسية استراتيجية ذات قيمة عالية. عندما نجمع كل هذه الدول معًا، سنجد أننا أمام تحالف قوي جدًا ورادع وفعال، وقادر على تحقيق التوازن في المنطقة.

قد تكون هذه الدول أكثر استعدادًا وحماسًا من بعض الدول الإسلامية الأخرى، على الأقل فيما يخص فرض العقوبات والحصار والعزل على إسرائيل. وهكذا، سيتضح بشكل جلي أمام الرأي العام الدولي من يدعم الحق الفلسطيني، وما هو موقف كل دولة من هذا الصراع.

لم تبقَ أي حلول أخرى

حتى بعد القصف الوحشي لمدرسة دلال المغربي في حي الشجاعية في غزة، والذي أسفر عن مقتل أكثر من مئة طفل بريء وامرأة مسكينة ومدني أعزل، لم يتجاوز رد فعل الدول الإسلامية حدود الإدانة اللفظية والشجب الخجول. لقد تجاوز عدد القتلى أربعين ألفًا، وعندما لجأ الناس إلى خان يونس المنكوبة، قصفها الاحتلال الإسرائيلي أيضًا، ولم يعد هناك مكان آمن يلجأ إليه سكان غزة للبقاء على قيد الحياة.

ماذا بعد؟ ماذا يجب أن يحدث بعد الآن؟

الشعوب المسلمة تشعر بإحباط شديد وخيبة أمل كبيرة من مواقف دولها العاجزة التي لا تقدم حلولًا ولا تساهم في التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني، والشوارع تغلي من الأسفل، وتنتظر الفرصة المواتية لتنفجر كبركان غاضب في وجه الظلم والعدوان.

لكن الخطر الحقيقي يكمن في أن صمت هذه الدول المطبق أمام الاحتلال البغيض والتهجير القسري والمجازر المروعة يزيد من جرأة وقوة إسرائيل وأميركا، ويشجعهما على التمادي في غيهما.

ما الضامن أن إسرائيل لن تقوم باحتلال لبنان أو سوريا أو مصر أو الأردن بعد ذلك؟ من سيمنعها من ذلك؟ ومن سيقاومها ويقف في وجه طموحاتها التوسعية؟

الجميع يتحدث عن خطر اندلاع صراع إقليمي واسع النطاق. ولكن من الذي سيوقف إسرائيل عند حدها؟ ألقِ نظرة فاحصة على الخريطة، هل هناك دولة واحدة حول إسرائيل مستعدة حقًا لوقفها وردعها؟

لهذا السبب، لم يعد لدينا خيار آخر سوى التفكير مليًا في هيكلية تحالف جديدة أكثر فاعلية وتشكيل كيان جديد قادر على مواجهة التحديات وحماية مصالحنا.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة